أنقذتني الفياغرا

(1)
هنالك أنواعٌ فنيةٌ مختلفة لكي تقول قصةً ما. سابقاً كان التركيز النقدي يحاصر الكاتب خشية أن يخرج عن قالبٍ معين فيُتَهم بعدم معرفة القواعد. وهناك كتّاباً كانوا يثبتون معرفتهم بالقواعد وجدارتهم بكسرها. أما الآن ومع انتشار وسائل التواصل التي فسحت المجال لأفواج الضجرين بأن يوثقوا أية فكرة تخطر في بالهم، فلم يعد هذا الموضوع يشغل بال أحد، أو دعنا نقل أن بعض القائمين على التحرير والنقد الأدبي ليست لديهم تلك المعرفة الوافية بأشكال القصة وكيفية انتقال وتشكل قوالبها ليستطيعوا إطلاق حكم كإبداعي أو مفتعل أو خارج من قواعده…. الخ
القصة التي سأرويها هنا كانت قصة مفاجئة بالنسبة لي من حيث قدرتها على تحديد قواعدها ومقدماتها دون تدخل مني كشخص يحاول أن يتعلم دائماً اختراع أشكال جديدة لقصته. لذلك سأضع فرضيتين صفريتين أساسيتين من أجل البدء بروايتها، من ثم وكأي باحث علمي سأحاول أن أجيب بطريقة تحليل كيفية عن صدق هذه الفرضيات الصفرية (أي التي لا تحتوي علائق واضحة)
الفرضية الأولى: لا يوجد علاقة بين انقطاع التيار الكهربائي في مخيم اليرموك والنجاة من الاعدام الميداني
الفرضية الثانية: قد يؤدي تناول حبة الفياغرا إلى النجاة من الاعتقال
(2)
كانت الثورة في أوج مراهقتها منذ بدايات عام 2012. بيتي في شارع الخمسطعش ضمن مخيم اليرموك تحول لورشة تخطيط وكتابة ومونتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية التي سوف تُعرض على قنوات عربية، وهي أفلام تم تصويرها ضمن الحجر الأسود والتضامن وهما منطقتان كانتا تتعرضان لقصفٍ متواصل من قبل جيش النظام في حينها. أحد الأصدقاء القائمين على المونتاج اضطر للسهر في بيتي حتى ساعات متأخرة من الليل كي ينجز عمله. وفي لحظات تململه كان يقوم بحفظ الفيديو المُنجز ويطلب مني استخدام جهاز اللابتوب خاصتي من أجل أن يدردش قليلاً على الفيس بوك، لأن جهازي كان يحتوي على مودم انترنت متنقل بالإضافة إلى مَّيزة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مَّيزة يد الله التي ستمسك بك ( وهذا ما سأوضحه بعد قليل) وهذه الميزة هي أن بطارية جهاز اللابتوب لدي كانت منتهية الصلاحية ويكفي أن ينقطع التيار الكهربائي – وهذا ما حصل وقتها – حتى ينفصل جهاز اللابتوب كما ينفصل البراد أو التلفاز أو ضوء منارة الشارع الذي سيجعل الحي يسقط في ظلامٍ دامس لست ساعاتٍ وأكثر.
(3)
كان صديقي (س) قد غادر البيت عندما استيقظت صباحاً، والقصف يأخذ منحىً تصاعدياً على الحجر الأسود، ومعه يزداد روتين الاعتياد على صوت رشقاته المنتظمة وكأنما مايسترو يوزع صليات هذا القصف وقذائفه للحد الذي بات التعامل مع دويِّهِ وكأنه جزءٌ أصيل من المكان والزمان.
شربت قهوتي سعيداً بحضور التيار الكهربائي والماء المتدفق من الصنبور. فتحت جهاز اللابتوب لأقرأ أخبار التنسيقيات الثورية التي كانت تتوسع يوماً بعد يوم “على الرغم من كل الحنان والعطف الذي لفنا به الأمن السوري، البار بأبنائه”. تفاجأت بأن صفحة صديقي (س) على الفيس بوك كانت ما تزال قيد التشغيل على الشاشة إذا يبدو أنه ومع انقطاع التيار الكهربائي لم يقم نظام الويندوز بإغلاق الصفحة. وأي فضولٍ يسيطر عليك حينما تقع إحدى صفحات أصدقائك بين يديك وأنت قادر على تصفحها دون أي توتر أو إزعاج .. أي فضول ….!؟ ومع ذلك فقد اكتفيت بقراءة الرسائل التي كانت بينه وبين إحدى صديقاتي لأنها كانت آخر الرسائل التي كتبها قبل انقطاع التيار الكهربائي ليتبين لي أنه كان يحرضها على أحد أصدقائنا وهو يشيطن صورته أمامها. أضحكني الموضوع جداً خاصةً وأنا أقرأ محاولاته الجادة لإقناعها بأن صديقنا المغدور به هو شخص موتور نفسياً. علماً أن صديقي (س) كان يمضي ساعات طوال مع ذات الشخص الذي يشي به، فإما تجدهما في البار أو في البيت أو في الجامعة مما دفعني للاتصال ب “س” مباشرةً وأنا أعاتبه ساخراً عما يحاول أن يصنعه، فظن للوهلة الأولى أن الفتاة هي من أخبرتني، لكنني كنت صريحاً معه وأخبرته أن صفحته على الفيس بوك لا زالت قيد التشغيل فما انفك يرجوني بصوت من يخبئ كوارثاً من الاسرار ألّا أتصفح الرسائل الأخرى. و رغم أنني طمأنته بأنني خرجت من الحساب إلا أنه لم يستغرق دقيقتين بعد إغلاق المكالمة حتى كان أمام عتبة بيتي وكأنما جاء بالطائرة. دخل مشدوهاً وهو يحملق في جهاز اللابتوب كأنه يريد التأكد من أن حسابه قد تم الخروج منه، ولشدة حنقه قام بإلغاء كافة الاعدادات التي تحفظ أي موقع الكتروني، حتى أصبح كل دخول للإنترنت وكأنه دخولاً للمرة الأولى، وهذه خطوة يبدو أنني سأشكره عليها كثيراً فيما بعد.
(4)
كان يوماً من أيام دمشق الأثيرة والمثيرة لنا نحن الجيل الذي سيودع قيمة حياته بعد تجاوزه للحدود مطروداً من حيواته وحريته. أن تستطيع غواية فتاةٍ ما كان لنا بمثابةِ نصرٍ يتحقق لسعادتك الآنية التي تقذف بك خارج دوامة الألم التي تناضل يومياً لكي تتجاوزها متشبثاً بأملٍ سوف يأتي مع نصرٍ أكيد.. ما أجمل الحب في دمشق ما أجمل العلاقات العابرة ما أجمل “التلطيش” المؤدب، ذخيرتك من الحبيبات القدامى اللواتي لا يَنسَين، صديقاتك الغريبات سريعات التدله والتعلق والهروب من حب قاسٍ إلى صدرك، ومن صدرك إلى صدور آخرين.
يومها كان موعداً استثنائياً مع امرأةٍ استثنائية.. هيأتُ قلبي وجسدي وخرجت باسلاً إلى موعدي. وبناءً على نصيحة أحد أصدقائي فقد اقترح عليَّ أن أتناول نصف قرص من حبة الفياغرا لأنها سوف تساعدني على تأخير القذف لساعة كاملة على الأقل وهذا سيجعل من هذه الفتاة الشاهقة أسيرةً للجنس معي، – ألا لعنة الله على نصائح الأصدقاء-
انتظرتُ فتاتي التي سوف تأتي بكامل أبهتها خارجة من مكتبة “الأسد”، حيث أصر النظام على إيفاء هذا الحيوان حقه بإطلاق اسمه على جميع المراكز الحيوية في سوريا. ومع أن هذا الاسم صار فأل شر للجميع، ولكن هو تغاضٍ آخر تمارسه عندما يكون الدافع الجنسي والجمالي مسيطراً عليك لدرجة أنك لن تنتبه إلى وجود مكتب مستحدث لفرع الأمن السياسي بالقرب من الحديقة المقابلة للمكتبة. ما أن وصلَت امرأتي حتى قبلتني وهي تفتح لي جميع الأبواب إليها. جلسَت قليلاً مرتاحة من تعب حرارة الطريق والرغبة، تبادلني الحديث قليلاً وأبادلها بروحٍ خفيفة كاستكمالٍ لبستان الثقة الذي كنت أزرعه لها منذ أيام كي تذهب إلى جنتنا بكامل حريتها. ولكن الطريق الذي لم نسر إليه بعد كان محاصراً بقطاعِ الطرق وقاتلي الفرح والحب الذين ظهروا أمامنا بنظراتهم التي توحي إليك بأنهم قبضوا علينا عراةً ومتلبسين. كانوا ثلاثة من عناصر الأمن الذين تقطر عيونهم حسداً ورغبة دنيئة لا تشبه رغبتنا نحن الجميلين في بلد الوحوش “الداشرة”. مُسلحاً تقدم منا قائدهم وهو يطلب هوياتنا بلهجة باردة وعينان ترمقاننا باحتقار. بدا الخوف على وجه الفتاة بينما طمأنتها وشعورٌ من الثبات والجرأة ينتابني لم أستطع أن أفسره إلا بسبب ذلك النصف الذي تناولته من حبة الفياغرا والتي بطبيعة الأحوال أفشى لنا العلماء سرها بأنها تزيد من ضخ هرمون التستسرون في الدماغ. بعد أن راقب قائدهم الذي لا يتجاوز الثانية والعشرون من العمر هوياتنا راح يسألنا لماذا نحن جالسين هنا
- ما الذي يمنع جلوسنا هنا ؟ (أجبته)
- هذه منطقة أمنية
- هذه حديقة عامة
- – “شو ما تعلِّمنا شغلنا يعني” ؟ قالها وقد تحول صوته إلى لهجته الأمنية القاسية التي يعلم أنها ستتغلب على أي منطقٍ قد تواجهه به، ثم ما لبث يردف بأنه رآنا ونحن نقوم بأفعال غير أخلاقية محاولاً أن يسبب لنا الشعور بالإحراج. ولأن القضية هنا أصبحت تمس رجولتي بشكل مباشر، فقد استفسرت منه ساخراً عما يريده تحديداً، فإن كان بسبب وجودنا في منطقة أمنية فنحن لم نكن على علم بذلك، وإن كان بسبب قيامنا بأفعال لا أخلاقية، فهذا ما تهيأ له لأننا جلسنا للتو
- ما تتفلسف يا مسقف ؟!
إنها “دويخة” أسئلة عنصر الأمن التي كنت أعرفها جيداً، ولأن كل إنسان متهم ومدان حتى تثبت جريمته فقد عثر على نقطة ضعفي، تلك اللعنة التي كنت أحملها معي “جهاز اللابتوب” الذي طالبني بسببه أن أتقدم معه إلى المكتب التابع للأمن السياسي بالقرب من بناء مكتبة الأسد، ومع كل محاولاتي التي تخللها الرجاء بأن يدع الفتاة تذهب لشأنها إلا أنه أصر على أن تأتي معنا، خفت قليلاً.
(4)
الفتاة الجميلة والغير محجبة في هكذا مواقف قد تصبح نعمة، فمن الجيد أنه ومنذ وصلنا إلى الحاجز التابع لمكتب الأمن لم نتعرض لأي ضرب أو شتيمة، خاصةً وأنت ترى سائق تكسي يتلقى عديداً من اللكمات والشتائم. كانت ابتسامة عنصر الأمن الذي أمسك بنا تشي بشيء من النصر والاحتقار لمشاعر الضعف التي توهَم بأنها انتابتني كاسراً جبروتي أمام امرأتي، فهذه واحدة من أهم أهدافه في تلك اللحظة. أكملنا سيرنا حتى وصلنا إلى مكتب الملازم الذي نهض مبتسماً بشكلٍ لا شعوري أمام هيبة جمالِ صديقتي، تأمل الملازم في وجه العنصر مستفسراً عن وجودنا والذي أخبره بدوره جواباً بدا ساذجاً
- سيدي “مسكنا معو لابتوب”
ارتفاع التستسرون في جسدي جعلني أرمي بابتسامةٍ ساخرة وواثقة تلقفها الملازم الذي سألني بانزعاج واضح عما يضحكني، بينما كنت منطلقاً بالحديث وأنا أمهد له بأنني موظف في التلفزيون السوري – مع أنني لم أكن كذلك، ولكن هذه الكذبة ستمنحني فرصة للتكلم – ثم رحت أشرح له عن استغرابي لعدم رؤية العديد من الناس في مكتبه لأن جميع البشر تحمل لابتوب في القرن الواحد والعشرين، وأن عنصر الأمن يريد أن يرميني بأي تهمة وأنا لا أعلم لماذا. فتدخل العنصر بالوقت المناسب وقال بسذاجةٍ أكبر
- سيدي كانوا قاعدين بجلسة لا أخلاقية وبمنطقة أمنية
نظرت إلى الملازم فارداً يدي وكأنني أؤكد له وجهة نظري مما جعل الملازم يستشيط غضباً وهو يطرد العنصر، ثم التفت إلي محافظاً على قسوة ملامحه وهو يخبرني بأنه من حق العنصر أن يوقف أي أحد يجلس في منطقة أمنية، فرُحت أؤكد له أننا كنا جالسين في الحديقة العامة وكانت جلسةً طبيعية، وقد أعانتني بعض دموع الفتاة على تخفيف وطأة الشرح فاقتصدت مومئاً بعدم الرضى. مما جعل الملازم يبدي بعض الاحترام والاعتذار، ولكن الطامة الكبرى كانت عندما سألني السؤال الذي أصبح روتينياً في ذلك الوقت
- أنت عندك فيس بوك ؟
لم يستطع الملازم أن يصدق أنني لا أملك حساباً على الفيس بوك كما ادعيت محاولاً دعم حجتي باختراعي لساعات العمل الطويلة التي أُمضيها ضمن عملي في التلفاز والذي لا يترك لي وقتاً لمثل هكذا رفاهية. ثم رحت أذكر له أسماء مدراء في التلفزيون السوري من بنات أفكاري مانحاً لهم رتباً عسكرية، وهو يومئ ببلاهةِ وإيحاءِ من يعرف جميع الأسماء التي ذكرتها، ومع أني بدوت مقنعاً حتى لتلك الجميلة التي تعلم أن كل كلامي كان كذباً، إلا أنه طلب مني أن أفتح له اللابتوب بعد أن تواصل مع أحد الخبراء لكي يأتوا إلى مكتبه، ولأنني لا أملك إلا أن أحافظ على رباطة جأشي فتحت الجهاز بكامل الثقة والابتسامة التي لم تفارق وجهي. والذي أصابني بالدهشة أمام نفسي أنني لم أصب بذرةٍ من قلق وكأنما تملكني الإيمان أن الأشياء سوف تسير كما أريد لها أن تسير، أو كما تهندسها حبة الفياغرا التي أفرغت طاقتها في نشاطٍ ذهنيٍ متيقظ عوضاً عن نشاطٍ جسدي كان يحلم بساعاتِ وصالٍ أفسدها عنصرُ أمنٍ ظريف .
(5)
راح الشاب -الذي لا أعلم كيف أقنعهم بأنه خبير- يتفحص جهازي، حيث قام بفتح صفحة الويب وهو يومئ لي بابتسامة باردة ثم ما فتئ يخبرني بأنه سوف يتم معرفة كافة المواقع التي أدخل إليها وأنه من الأفضل لي إن كان لدي شيئاً لأقوله، أن أعترف به والآن.
مع أنني سرحت قليلاً بفكري من إمكانية فضح أمري وظهور الأعداد اللامتناهية للتنسيقيات الثورية التي أشترك بها إلا أنني فضلت أن أصمت.
كان يكفي أن يضع “الخبير” حرف (w) في التبويب حتى تظهر له جميع المواقع التي دخلتها من شهرين وحتى اليوم. وهذا ما فعله، ولكن الدهشة التي أصابت ملامحه ونرجسيته أمام الملازم جعلته يلتفت نحوي باستغراب وهو يطلق كلمة واحدة
- مستحيل …!
على الفور تذكرت صديقي “س” الذي جاء قبل يومين وقام بتغيير إعدادات الشبكة العنكبوتية بحيث أصبح الجهاز لا يتذكر أو يؤرخ أي موقع أدخل إليه. عندها استبدت بي حالةٌ من الانفعال وقد شعرت أن الكفة ترجح لصالحي، ورحت أتباهى بأصدقائي الضباط وعملي في الجيش السوري الالكتروني ودفاعي المستميت عن الأمن والجيش وأن كل ما أكتبه ينزف حباً ببشار الأسد، فإن دمي ينضح أسديةً وبعثاً وعروبة، فلماذا يمارسون هذه الادعاءات وكل ذنبي أنني كنت جالساً أنا وصديقتي في حديقةٍ عامة.
ما أن أنهيت انفعالي الصادق الذي منحتني إياه حبة الفياغرا حتى فاجأني صوت “الخبير”
- كي لا تأخذنا الحرب
صمتُ لوهلة وأنا أحاول أن أستدرك ما سمعت، ثم ما لبثت أن تذكرت هذه الجملة. إنه عنوانٌ لمقالةٍ وضعتها على سطح المكتب من أجل نشرها في إحدى المواقع المعارضة. كان وجه صديقتي يتبدل ويتحول وقد أصابتها الدهشة من قدرتي على ضبط أعصابي إلى هذه الدرجة فهي تعلم عني كل صغيرةٍ وكبيرة. في تلك اللحظة أصبح كل شيء مسألة حياةٍ أو موت إذ لم يعد هنالك شيئاً لأخسره وخاصة أن المُعتقلَ غيّبَ أغلب أصدقائي في تلك الفترة، لذلك حافظت على رباطة جأشي ولم أوفر تشبيحاً غير متكلف إلا ونطقت به ورحت أصرخ بهم وأخبرهم أنني خائنٌ لهذه الأمة قاطبةً وأنهم ما داموا مصرين على إدانتي فليعتقلوني ولكن ليدعوا صديقتي تذهب .
حاول الملازم تهدئتي وقال أن ما يحدث هو إجراء روتيني ثم ما لبث أن طلب من “خبير” المعلوماتية بأن يفتح له المقال والذي بدوره راح يقرأها. من حسن حظي أن المقالة كانت تميل لأن تكون فلسفية وأدبية مما جعلني أحوِّر معانيها، كما تحوَّر النصوص الدينية تماماً ! لقد قلبتها رأساً على عقب. فكل ما يخص السخرية من مقولات بشار الأسد بررتها مُخرجاً منها عنصر السخرية وكل ما يخص إعلام النظام ألصقته بإعلام الجزيرة والعربية، وكل ما يخص الحرب التي سوف تأتي علينا ألصقتها بمطالبات التدخل الخارجي التي طالب بها الارهابيين والخونة. كنت متقناً لهذا التحوير لدرجة أنني كنت أستمع إلى صوتي وأُعجَبُ بي، ولم أنتهِ من هذا السرد المبدع حتى اعتذر مني الملازم بصدق طالباً مني بأدب عدم التواجد في الحدائق القريبة من الحواجز الأمنية ومنازل المسؤولين، وأنا مددت يدي له شاكراً لباقته مُبدياً تفهمي لضروراته الأمنية التي تدخلت في إفشال أقدس علاقاتي. ثم خرجنا أنا وصديقتي وقد كسا وجهنا صمتٌ وحيادٌ مطبق.
(6)
هل كان جمال فتاتي من أنقذني …!؟
أم أنها حبة الفياغرا التي حافظت على شجاعةٍ جعلت سلوكي “تشبيحياً” دون تكلف أو مبالغة ..!؟
أو أنه صديقي “س” وأمانتي في أن أخبره بأن حسابه على الفيس بوك بقي مفتوحاً مما دفعه للقدوم إلى بيتي قبل يومين و تغيير إعدادات الشبكة العنكبوتية على جهازي.؟!
أم لعل ذلك كله ؟؟؟
الشيء الغريب لدينا نحن الذكور أنه وبالرغم من هول المصيبة التي قد نكون على شِفا حفرةٍ منها، إلا أن الدافع الجنسي يبقى مسيطراً علينا وبقوة. لكنني هنا فقط لم أستطع أن أبدو مقنعاً لصديقتي في إتمام ما كنا مقدمين عليه قبل الذهاب إلى مكتب الأمن. كنت أراقبها من مرآة سيارة التكسي وأنا أُقلّها إلى منزلها، كانت ملامح وجهها مشدوهةً وعيناها فارغتان، تراقبني حيناً ثم تلتفت بحركة سريعة حيناً أخرى، أعلم ماذا ينتابها في هذه اللحظة، لا بد أنها تسأل نفسها ماذا لو لم ننجُ.؟ هي الآن تتأمل شكل الفرع الأمني الذي سنجرُ إليه كالكلاب وأهوال التعذيب التي ستُمارس علينا، ولربما تقول لنفسها أنها عوضاً عن العلاقة الحميمية التي كنا سنعيشها سوية كنت سأُبتلى باغتصابٍ جماعي، يحاكي أفكارها المسبقة عن الأفرع الأمنية. ومع ذلك فما زلتُ ألمح في عينيها نظرة ارتيابٍ تجاهي لا أستطيع تفسيرها، نظرةٌ فيها من الشك والخوف ما لم أستطع أن أكتنه فحواه. كنت أرغب بالاستفسار عن تلك النظرة لكنني أعلم تماماً أنه ليس الوقت المناسب للسؤال.
نزلنا من السيارة وسرنا حتى باب البناء الذي تقطنه، وقفت مودعاً لها ولكنها راحت تراقبني بذات الارتياب والشك لكأن كلاماً يتصارع مع لسانها ويريد أن يخرج
- نجونا (قلتها وأنا أحرك رأسي بابتسامةٍ بلهاء)
لكنها بقيت تراقبني بارتياب وجمود مما دفعني للاستئذان والذهاب، فنادت باسميَ تملؤها رغبة في الانفجار ورمت في وجهي سؤالاً لم يكن ليخطر على بالي في تلك اللحظة
- هل تحبني حقاً ؟!
- يا إلهي … بدأت تشكُ بي.. الآن أدركت كم كنت مقنعاً ! (قلتها في نفسي وابتسمت)