ذاكرة لجوء

سارق أحلام الطفولة..

تأتيه المكافٱت من كل حدب وصوب، وكأنه قد أنجز ذلك العمل الخارق للطبيعة، وهو ما قد فعله  فقد كان يسرق أحلام أولئك    الصغار الذين إلى الآن يعيشون فقرا مدقعا، لظنهم بأن ما يمرون فيه؛ امتحانات إلهية لمعرفة لصبرهم وقوة إيمانهم، ويبتهل أولئك     اللصوص  في الصلوات، ليغفر لهم ما قد عملوا، وما بين هذا وذاك تتمخض حكمة الاطفال..

بعد أن غلب القهر سنهم، وأصبح العمر القهري لأحدهم حوالي الألف عام، كان لا بد من تدخل مجلس الأمن و (هيومن رايس وتوش) لإرسال المساعدات الإنسانية للمشردين والنازحين وأصحاب الهموم الغالبة على شمس هذا الكون لدرجة أن ( نجم عين القط ) الذي يبعد حوالي آلاف السنوات الضوئية عن مجرتنا؛ أصبح يحزن علينا ويستغرب في نفس الوقت الذي كان فيه ذلك السارق مرفها وجالسا، على ذلك الكرسي المتحرك الذي يفتل بشكل دائري؛ كأرجوحة ذلك الطفل الحالم بها ..

في وقت وفي مكان آخر، من مجرة ( درب التبانة) كان ذلك الطفل الذي تملؤه السكينة والوقار،مترفعا عن طعام ذلك الذي الكلب  الذي ولغ فيه، منجسا تلك المساعدات؛ التي طبع عليها شعار بلون اخضر او احمر، حتى أنهم أصبحوا يحاكون حالة ذلك الفقير بالوان قوس قزح؛ أو ربما أحبوا على سبيل تبرئة أنفسهم من جرم فظيع وهو انعدام الإنسان الذي في داخلهم، توطين أنفسهم على أن ذلك ليس ذنبهم بل ذنب من حملهم تلك الأمانة التي تفوق قدراتهم الإنسانية !

فبعد عملي في المجال الإنساني بفترة وجيزة من الزمن، كنت أبدو غريبا بالنسبة لهم؛ في تلك المنظمة الإنسانية على سبيل المثال كان الكل يسرق، هذا يسرق بطانية والآخر يسرق ملابسا ويهربها على دراجة نارية في جو من الضباب؛ وآخرون تطورت سرقاتهم، لتصبح ذات طابع إنساني بإسم فلان وغالبا ما يكون ذلك الشخص مجهول؛ أو ربما غير موجود اصلا ..

والبعض تجرد من أدنى درجات الإنسانية، ليحلو  بعينه اي شيء تافه  كان أم نادر ..لأصبح مثير للشك بينهم؛ حتى أنهم ظنوا بأنني امثل دور الأمين، على ممتلكات أنا مؤتمن عليها، وتفاقم الأمر أكثر من ذلك عندما علموا بأنني لست غنيا بما فيه الكفاية لأكون مثلهم، فقط عندي بعض المبادئ التي لا أتراجع عنها مهما حصل.

عندما انهمرت دموعه  من تلك الشرفة، على رأسي ظننت السماء تمطر؛ وأشبعت نفسي أحزانا في ذلك الجو الماطر؛ لأعلم أنها أحزانه، واستيقظت لدي نوازع الشر فجأة، وأقسمت على سرقة أحلامهم يوما ما، وما إن نويت حتى تحقق ذلك الأمر، بعد  فترة وجيزة بحصولي على رقم أحد الشرفاء في تركيا، الذي ساعدني بإصدار أمر بمساعدتي، وحصولي على بعض مستحقاتي، الأمر الذي أدخل في قلبي سعادة كسعادة أغنى رجل في هذا العالم قاطبة.

ما قصة سارق أحلام الطفولة، وماذا سيفعل بسرقته يجب أن يقطع رأسه وليست يده التي يجب أن تقطع؛ فكم من رؤوس قد صدعت من تفكيرها بالفقر، إضافة إلى الإجرام الإنساني في هذا الكون الواسع الذي يجبر بعض أصحاب النفوس الضعيفة على فعل اشياء لا تتنازل لها حتى البهائم؛ ماذا عن ذلك الفقير المكلوم الذي يشتكي أمره لمن يرى ولمن لا يرى؛ وماذا عن الناس البسطاء أصحاب الابتسامة العفوية البراقة؛ ماذا عن زجاجات اللعب في ذلك المخيم الكئيب.

فعلا فأقصى ما يملكه الفقير المكلوم الحزين المكتئب؛ الضمير فهو غني؛ وهم الفقراء والمساكين؛ علاوة على ذلك أصبح لكل منهم كرت أو ورقة، يوجد عليها شعار منظمة إنسانية في كل مخيم من الشمال السوري، ليصبح الأمر من منظوري مثيرا للسخرية؛ فما أهمية هذا الكرت الذي يتباهون فيه ويجعلونه حجة لكسب قوتهم على حساب بطون الأطفال؛ هل أنتم وحوش حرفيا بما تعني هذه الكلمة من معنى؛ وإن لم تكونوا كذلك؛ هل أصبح في فن التمثيل دور لتمثيل الشخص على أنه إنسان؛ الأمر بين ما بين فإما هذا وإما ذاك.

الفوقية في سائر المجتمعات ليست محبذة على الإطلاق؛ كيف إذا كان ذلك المجتمع جاهلا فقيرا تعيسا و محطما سيكون الطريق الى قلوبهم المساعدات الإنسانية لاشك!!

لكن عندما يكون سارق أحلام الطفولة موجودا، لا داعي للقلق وتجنبا لمشاعر الفقراء سيسرق على حسابهم؛ دون علمهم لئلا يجرح مشاعرهم، هنا تكمن الإنسانية في أبهى حلة، الأمر الذي استقال على أثره عدد كبير من أعضاء منظمة الأمم المتحدة (هيومن رايس وتوش) تضامنا مع هذا المبدأ الأسطوري، الذي لن يسجل في التاريخ؛ لأنه سيبقى حاضرا في نفوس أهل الأرض إلى أبد الٱبدين

لدرجة أن ما تبقى من أطفال في سورية؛ أصبحوا لا يحلمون بتغيير واقع بقدر ما يحلمون بتغيير شخص؛ بإقصائه عن كرسيه أو تعديل أفكاره، بما يتناسب مع متطلبات الفقر الذي يمر فيه أغلبهم.

سارق أحلام الطفولة سوري مقيم في تركيا؛ لديه أموال طائلة وسيارات فارهة وقصور خيالية، بالنسبة لنا نحن الفقراء، لكن كنا نحن من أعطيناه من دون أن نعلم، فهل هذا ذنب سنحاسب عليه يوما ما؛ وهل ذلك النعيم الذي يتقلب فيه يمنة ويسرة!

هذا الواقع الذي تحاك ضده المؤامرات والذي تتكاتف على إقصائه، أعظم جيوش العالم قاطبة؛ الذي بدوره سيستسلم بكل ما أوتي من ضعف، بانتظار معجزة من السماء تنقذه ليعلم أن تلك المعجزة، كانت على هيئة سارق أحلام الطفولة، الذي اشترى بما سرق منهم ؛ أسلحة الدمار الشامل ليعيد تصديرها إلى أعداء الفقراء، بأرباح مضاعفة لتتضاعف ثروته المقدرة (بمليون دمعة نازح) لتصبح لعنات تلاحقه إلى ذلك الجحيم؛ الذي سيستقر فيه قريبا.

غالبا ما تأتي الأمور على شكل أطباق من الماس؛ لمن لديه ذلك الجوع الخرافي؛ وتصبح تلك الأطباق في مائدة ذلك المتخم عبارة عن نحاس مهترئ لا قيمة له؛ القيمة الضمنية للبعض تكمن في داخلهم؛ حتى إن كانت تلك الموائد الفاخرة ممتلئة؛ تبقى مشاعر ذلك الفقير أهم من كنوز الأرض والسماء، فالإنسان والمشاعر الإنسانية والرسالة الإنسانية أيضا والأخلاق في حل مما يفعله أي سارق أحلام أي طفل؛ هم في أمس الحاجة لأي مساعدة تضفي على قلوبهم بعض الأمن والراحة النفسية المعدومة في أنفسهم.

كذلك أصبح المنافق أشرف مما يفعله هذا المتظاهر بالإنسانية، الخالي من أي إحساس، المتخلف عن أجيال تسبقه وتشق طريقها إليه ومنه، أيضا كان لا بد من الحديث عن المتصعلكين الذين يقتاتون من بقايا الأطعمة المتفانين في خدمة أسيادهم؛ الذين يسرقونهم أمامهم!

هم أفقر من الفقراء أنفسهم وأبسط من أبسط خلية في هذا الوجود الشاسع؛ فالجميع يظنون أنهم يخدعون بعضهم البعض والنتيجة أن الكل قد انخدعوا وأصبح الأمر ملغيا وغير موجود أصلا في هذا المكان الذي اقطن فيه.

هذا هو صلب الواقع الكائن في خيمتي التي أقطن فيها حتى الحدود التركية السورية، لقد غلب التظاهر بالضعف الناس؛ حتى أصبحوا ضعفاء حقا، وأصبح السارق عندنا صاحب حق لا شأن له بما سرق وأصلا هو لم يسرق، كان سارق أحلام الطفولة مجرد حلم.

أستيقظ وأجد نفسي في ( فيينا) بدعوة من منظمة إنسانية لإجراء اجتماع عاجل لمعرفة سبب ذلك الفقر المدقع في سوريا وكيفية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب!!!

الأمر الذي لاقى تفاعلا كبيرا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، في حين كان ذلك الفقير لا يجد  ما يشعل به فانوسه في تلك  الليلة الملعونة.

سحقا لإنسان سرق ضحكات الاطفال….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + تسعة عشر =

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى