وجه أخر
لَم يُدرِك يوماً إنني أسكنُ في عقله، لاجئ في مسارب وعيه، في بداية الامر كنتُ انتظره أن ينام لكي أستطيع التجوال بحرية في المكان، لقد حاولت أن أتعلم كل شيء ولكنني لم أستطع أن أقترب من السطح حتى، حريتي بأكملها تمتدُ بضع ساعات، يا الهي، يا الهي كم بغضته في البداية.
ولكن في ذاك المُسمىِ عندما أدركت نفسي، أختلجت، أنا مرض ما !
هل تعلمون شعور أن تولد في سجن ؟ لا لا بل هل تعلمون شعور ان تولد وتوشكَ على الموتِ في سجن ؟
هنا يوجد الكثير والكثير من الابواب، ولكنني أخترت نافذة العين، وهكذا أرى ما يرى، والان انا احتضر، في عُزلتي هذه.
لقد أخترتها طوعاً ومحبةً به -فهو المسؤول عن وجودي- ولأنني لم أود أن تفُجعه المصيبة هذه، رُغم هذا الجحيم .
لقد تخليتُ عن أرادتي تماماً ودفنت الشعلة التي تجعلني حراً لأتابع المسير بكياني، دفنتها حيث لا سبيل لأحد أن يصل اليها غيري، لتبقى نصب عيني، خوفاً أن يأتي شخصً أخر، ولكن الان وبعد مرور خمس سنوات لم يأت احد
في جميع الاوقات كنتُ ارى الكثير والكثير، ولم استطع فهم الطبيعة البشرية على حق، فهي مليئة بالتناقضات ولذلك لم اقتنع بها حقاً
أذكر جيداً عندما علمت بهذا الموضوع لأول مرة، كنتُ نائماً، واستيقظت عندما وقع على راسي بعضُ بقعٍ من الماء الكبيرة، علمتُ لاحقاً انها تدُعى بالدموع، ولكنني لم استطع ان أفهم بشكل كلي لما سقطت، أذا كانت نهايتك في صندوق وحيداً ولا سبيل لغير ذلك اّذا بالتأكيد بدايتك ومنتصف طريقك سيكون مليئاً بالمعاطف الوحدوية ولكنني أجده متعلقاً جداً بالاحاسيس الاحادية المحزنه، اذا فالحزن وحدوي أيضاً والاكتئاب وحدوي والسعادة وحدوية ايضاً، لا يستطيع الانسان أن يعطي أنسان اخر قضمة من مشاعره، وهذا سبب وجودي على ما أعتقد، فأنا هنا لانه اراد ان يكون له صديقاً، ولو كان مرض.
إذاً، هل تعلمون شعور أن تكون مصاب بمرض أزلي؟ لا؟ أين الشفقة البشرية الان ؟ في القمامة
كما ذكرت سابقاً هذا جحيم، ولا شأن للوحده بهذا الموضوع، أنا أعاني بسبب بعض الامور التي لا سبيل لي فيها، الان هو نائم يعتقد ان الاحلام شيء خيالي، لقد شاهدت خلال عينيه سؤالاً غريباً حقاً، يقولون لما البشر تتشارك بعض الاحلام؟ وبالتحديد الشيء المسمى بالسقوط، عندما يشعر الانسان بانه يسقط والخ.. تعرفون هذا الهراء
يظن ان الاحلام مبنية على خيالات لا مصدر لها، هذا هراء، انا رايتها كثيراً، ان افكاره جميعها تتجسد على شكل فلم قصير. أذكر في يوم ما، كان الصباح يوشك على الاندلاع، وكان صديقي يُفكر في مضاجعة فتاة ما، وفي الليل عندما نام أتت اليه عارية!
لما يتشارك جميع البشر باعضائهم البيولوجية اذا؟ لما يتشارك جميع البشر الشعور بلذة الاكل بعد الجوع؟
حسناً، من خلال اقامتي هنا لاحظت شيئين
الاول أن صديقي لا يستطيع كبح افكاره، وتتفاقم الامور ببعض الاحيان لتصل الى درجة الانهيار ولكنه يعرف ان التفاقم يؤدي الى الانهيار وهذا عجيب حقاً
والثاني انه يظن ان الانسان متفوق بكل شيء عن باقي المخلوقات، انا لم ارى في حياتي بشر يستطيع ان يُغير لونه ليجابه الطبيعه كالحرباء، ولم أرى بشر يخرج العسل من مؤخرته، اليست هذه تفوقات حيوانية على الانسان . بالطبع هي كذلك!
اقطع يديك وقل لي كيف تستطيع بغيرهما أن تحمل سلاحك، قلمك، أو فرشاتك، او حتى اداتك، قَطع يديك وقدميك وابن لي الحداثة، تستطيع أن تخلق نظرية خيالية ولكن تستطيع تصنيع ما تريده يداك حقاً، نحن جميعاً عالقون في هذه الدوامات السلبية وسعينا لم يكد أن يخرج من عاصفة حتى نرى أنفسنا في عين أخرى
ولا تبداً بالقول انه الانسان لديه وعي، انا مرض ولدي وعي ايضاً، كيف؟ لست ادري اجب انت على هذا يا صديقي.
كما ذكرت سابقاً ايضاً، انا الان أحتضر، فهو اراد صديقاً من البداية وحدث وان وجده في عالمه، وهذا جميل ولكنه يؤلمني بقدر ما يسعدني ان ارحل عن غرفتي القذرة هذه
حتى الان أنا لا أعلم ما هو مصيري بعد ان اغادر أو أنفى، البشر يذهبون الى الجنة او النار او العدم، ولكن نحن الى اين!
وليت صديقي يدرك أنه ايضاً مرض ما في عقل شخص ما