بين الحدين

غودو في المخيم

في ذاك الوقت  كُنا جميعاً هائمين، لم تكن الفوضوية سوى ظل يتبع الناس في يوم صيفي هادئ.

وكنت منتظر عودته أو مجيئه، أحسسنا بالشرارة في حينها، عندما اندلع ذلك الحريق في المزرعة الكبيرة، وما كان للهب ان يمُس الهدوء في سباتنا، ولكن على اي حال كنُا جميعا على أهبت الاستعداد لتلقيه.

كان الامر يُشبه ليلة عيد في المُخيم لن تجد نفسك حتى تصطدم في اقدام شخص أخر، الشارع الرئيسي كان مُقسم من بدايته الى نهايته ثلاثُ تقسيمات، من يمينه تستطيع أن ترى رذاذ الشظايا أن جلست على يساره، ومن يساره تستطيع أن  ترى الاستغراب على وجوه الساكنين في يمينه، ومن وسطه تستطيع أن ترى وجوه الناس الجالسين تلتفت يميناً ويساراً، هل كُنا تائهين؟، لا أعلم.

ولكنني أعلم أننا كنا في وهج الانتظار، منا من كان في أنتظار خبزٍ على ضفاف الجوع، ومنا من كان في أنتظار رمادية الرصاص، ومنا من كان في أنتظار حليفه.


وأنا مثل الكثيرين الذي كانوا في أنتظار مجيئ ” غودو”، ربما كانت امتعتي المدرسية أثقل من حملها يومياً للجلوس في انتظاره، ولذلك رددتُ الاستعانة بصديق لي ربما يُخفف عني ثقلها، حسناً لا اود الحديث عنه طويلاً ولكنه كان شخصاً فضولي جداً، يحوي أنف اكبر من راسه، ولسان أطول من طوله شخصياّ، ربما جميعاً مررنا بهذه الشخصيات. وفضوله كاد أن يشطر رأسي نصفين، جلسنا سوياً في “المشروع” ل سنتين تقريباً في أنتظار مجيئه، حتى تحولت أمتعة الدراسة الى امتعة السفر.


وجلستُ وحيداً في أنتظار “غودو”، هو جميل ومخلص لذويه، وربما للجميع، لست أدري فأنا لا أعلم من هو جيداً، ولا اعلم متى سيأتي، ولا أعلم من أين ايضاً، ولكنني على يقين.


في يوم ما رأيت الظل يكبر في المخيم، كنت مخطئاً عندما رايته لاول مرة، اذكر الفرحة على وجوه الناس من حولي، لم نكن على دراية بشيء، ولم نعلم أن ظل الفوضوية سيبتلع كل شيء، لم نكن نعلم أن الظل هذا ليس سوى ” مارد” أبتلع الشارع الرئيسي وجميع أقسامه، والحق يُقال.


والان بعد مرور دهرٍ ربما، مازل المخيم في أنتظار قاطنيه، وما زلت أنا في أنتظار عودة “غودو” .

أبو الهيجاء

فلسطيني جداً هذا كل ما يجب عليك معرفته، أما الباق فهو مزروع بين القوافي، والسطور، والافكار الغير معلبة، مسيرتي تبدأ في أول حرف من جنسيتي وتنتهي بالتنوين من جداً.
زر الذهاب إلى الأعلى