ذاكرة مكان

عتبة حارتنا

عتبة حارتنا

شيء ما بدل من رغبتي في متابعة المسير رغم أن

المشي يتصدر لائحة هوياتي القليل..

على طرف الزقاق انزوت عتبةٌ قديمةٌ لم تكن تغري

العابرين حتى للنظر لكنها فعلت معي.. فتنةٌ ما شدتني

اليها فاقتربت، كانت عبارةً عن ستين سنتمتراً من

الاسمنت المهترئ، نصفها أكلته الريح كلما تعاقبت

فصولها الأربعة حتى لم يبق له أثر والنصف الآخر

بالكاد يحمل جسداً بشرياً..ورغم أني كنت في طريق

العودة من الأشرفية وهي أكثر مناطق لبنان عمارةً

ورفاهيةً على اعتبار أنها تحتفي بالطبقة الأرستقراطية

في البلاد، لكن مامن شيء في الطريق ناداني ولا

أغراني إلاها،

اقتربت منها أكثر عرفتها كما عرفتني!! تُرى أي

حماقة تلك التي قذفت بها إلى هنا؟!

هي العتبة ذاتها شغلت سوكةَ حارتنا في المخيم قبل أن

تلعن الحرب أنفاس الحارة وأهلها، سبق لهذه العتبة

وأن كانت ساحةً للمنافسةِ مع اولاد الجيران على لعبة “الطبة” مذ كنا صغاراً،وشاهداً على اعترافات الحب الطفولية والتي غالباً ما تبدأ بلعبة “عروس وعريس” وتنتهي

من طرف العروس باعتبار أن العرف السائد عندنا يقول

“البنت بتكبر قبل الصبي”،و لطالما كانت العتبة مقهىً

يتجمع حوله شباب الحي لإحياء سهراتهم الليلية

وتلتقي عندها نساء الحارة وأخبارهن الصباحية

ويختارها العشاق دوماً مخبأً سرياً للقاءاتهم المفضوحة

في عيوننا نحن اهل الحارة وللقبلات..

في السنيّ الاخيرة قيل أن العتبةَ صارت تجلب النحس

إلى الحارة إذ ليس صدفةً أن يجلس عليها أحمد يبكي

عجزه عن إنقاذ صديق عمره حينما أعلنت طواقم

الإسعاف في المخيم توقفها عن استقبالِ المزيد وقبل

ان يمنع الحقد المتمترس على بوابة المخيم دبيب

النملة من العبور ،وليس صدفةً ان تتلقى جفرا نبأ

اعتقال خطيبها الحب الأول والجرح الأخير وتغرق

العتبة بدموعها، وليس صدفةً ان يقعد عليها ابا خالد

يرثي نفسه والحارة باستشهاد خالد وليس صدفة أن

تكون العتبة آخر مكان جلسته والماضي قبل أن

نرحل…. وليس صدفة إطلاقاً أن ترافقني نقمتها إلى

هنا كلما مررت بعتبة عابرة وظننتها عتبتنا ولعنت

حظي العثر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × أربعة =

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى