غريبة في وطني منذ شباط 2012 وإلى الآن …..
غريبة في وطني منذ شباط 2012 وإلى الآن …..
- أنزلتني السيارة التي أقلتنا بعد طول رجاء وتوسل – مع أمتعتي المتواضعة – أمام منزل أجهل ما بداخله…. ما عدد غرفه؟ ما محتوياته؟ الشيء الوحيد الذي أعرفه. (هم ساكنوه…)
- نزلت وأنا أحمل جبالاً من القهر والذل وقد أجبرت على ترك منزلي – الذي كنت غريبة فيه أيضاً بعد ترك منزلي العربي القديم – لكنني أحببته – تعلّقت به… حاولت البقاء فيه – لكن دون فائدة – لا ماء، لا كهرباء فعليّ أن أرحل كما رحل الآخرون وأحمل مثلهم (المفتاح) معي.
- نزلت وأنا لا أعلم محتويات حقيبتي الصغيرة…. ترى هل نسيت – فردة حذائي – على الدرج كما فعلت سندريلا ؟! أم ماذا نسيت؟ شيء وحيد أبحث عنه هو الهدوء والأمان. …
- نزلت ضيفة…ُرُحِّب بي… تأمّلت المنزل الصغير … جاء المسلِّمون … رددت لهم الزيارة وأنا أحلم أو أظنّ أو أتخيّل أنني سأعود إلى منزلي… بيتي … وطني الصغير …لكن طال الوقت.. وبعدت المسافات …. وتلاشت الأحلام بالعودة …
(مع أنني أحمل المفتاح..)
- أحسست شيئاً ما يضيّق على صدري…. يخنقني … يخطف أنفاسي … وقفت محتارة متسائلة مثل طفل أضاع أمّه وسط زحام السوق المسقوف أيام العيد … أو سائح وصل إلى مدينة لا يعرف لغة أهلها و لا يحمل مخطّطاً لشوارعها…
- قالوا لي: يجب أن تتأقلمي مع الوضع الجديد… البيت.. والسكان الطرقات والمنحدرات.
- لن أجيبهم وأقول لهم : كيف ينسى الإنسان بلحظة واحدة عمراً طويلاً بأفراحه وأحزانه… بهزيمته وانتصاره… بدمعه وابتسامه….؟
- أم كيف ينسى بيتاً بناه لبنةً لبنة من جِدِّه وتعبه؟
- أثاثاً فرح بشرائه… وانتهى من دفع أقساطه… أو لم ينتهِ ؟!
- سريراً وجد فيه وعليه الدفء والأمان… كأساً محبباً لديه أو فنجان قهوة؟
- كيف ينسى الإنسان موطن ذكرياته .. و طفولته .. كيف ينسى ماضيه …
( ألا تعلمون : أن من ينسى ماضيه لا حاضر لديه ولا مستقبل ؟ )
- كيف ينسى أهلاً و أخوةً و أقارباً و جيراناً تقاسم معهم السرّاء و الضرّاء …
هل يمكن للإنسان أن يعيش بلا روح … ولا ماء … ولا هواء ؟
- حتى السكان هنا … حاولت أن أجد في وجوههم شبهاً لفلانةٍ أو فلان … لكنهم غرباء … وعبثاً حاولت … وعبثاً لم أجد فيهم غايتي أو مطلبي …
- شوارع مدينتي وأزقتها الضيقة كانت سبب سعادتي … في كل زاوية هناك ذكرى … وعلى كل منعطف تنام حكاية … هنا التقيت فلاناً .. وهناك أوقفتني فلانة …. أما هنا .. الطرقات حجارتها صمّاء .. لا تحمل أيّة ذكرى .. لم ألتقِ فيها بأحدٍ من الناس … حتى أشجارها وخضرتها و جمال طبيعتها التي كنت أتشوق إليها أثناء الرِّحَل .. اليوم لا أراها وكأنني عمياء .. شئ ما أفقدني نعمة البصر .. شئ ما يجثم على صدري و يقيّد يديَّ وكأنني في سجن كبير ولكن الباب مفتوح
- إلى أبن أهرب ؟ والغربة الثقيلة تخيّم على حياتي … وحقيبتي الملقاة على الأرض تُحتضر وتتساءل : ( متى العودة ).
- غربة مريرة .. صعبة .. قاسية ..
عندها أدركت وفهمت أكثر قصائد الحنين إلى فلسطين و الوطن .. وأدركت سبب حبي لهذه الأحاسيس و المشاعر وكأنني في أعمق أعماقي كنت أستعد لأعيش هذه الغربة و الحنين .. هذه الغربة التي لم أتوقعها حتى في الخيال ولا الأحلام …..
- وطنك على بعد أمتار منك _ كما يقال _ وأنت لا تستطيع الوصول إليه .. وإن وصلت إلى مناطق منه فأنت عاجز عن الوصول إلى بيتك ورؤيته .. حين كنّا صغاراً حكوا لنا عن بيتٍ كبيرٍ فيه مئة غرفة الدخول مسموح إلى كل الغرف _ عدا واحدة _ اليوم أدركت أن هذه الغرفة هي بيتي ..
( مع أن المفتاح معي ! )
( 3 ) البيت الجديد ..
- انتقلت إلى بيتٍ جديد .. لأجد فيه الراحة و السكينة .. صغير مثل أملي بالرجوع إلى بيتي .. جدرانه صماء غريبة .. أثاثه مفروض عليَّ .. حاولت أن أجد فيه شبهاً لبيتي الحُمصي .. حتى الماء .. الكهرباء.. التي افتقدتها كثيراً.. لم تدخل الفرح و السرور إلى قلبي …
- وإلى بيتي الجديد حملتُ معي خوفي و حرصي على التقاليد التي أتعبت كاهلي .. ومراعاتي لشعور الآخرين وعدم إزعاجهم .. على حساب راحتي و سعادتي …
حملت خوفي من عدم التأخر في الرجوع إلى بيتي مساءً ( في منطقة أهلها و شبابها يتأخرون كثيراً ولا يجدون غرابة في هذا .. شئ طبيعي عندهم أن تعود الفتاة إلى بيتها متى يحلو لها ( المنطقة آمنة وهي مع رفاقها ) بينما أنا أراقبها متمسكة بتقاليد حملتها معي .. متمسكة بخوفٍ من المجهول .. بخوفٍ من السنة الناس كالسياط ( مع أنني تجاوزت السن ) ومع هذا لم يستطع كل التحرر في هذه المنطقة وكل الأمان أن يخلصني من خوفي .. كان خوفي أكبر … وسور التقاليد كان صلباً لا يكسر .
- خوف سيطر علينا فجأة .. نشب مخالبه وأطافره في قلوبنا و عقولنا .. نحن اللذين عشنا آمنين .. مطمئنين _ لا تعرف معنى هذه الكلمة _ وكنا نتساءل في أعماق أعماقنا .. لماذا يخاف الناس ؟ أو بالأحرى : ممَّ ييخافون ؟!
- في بيتي الجديد صار عندي شرفة صغيرة تُطلُّ على شوارع كثيرة .. شرفة أستطيع منا أن أراقب الغادي و الرّائح .. الفَرِح و الحزين .. البطئ و المسرع .. وأنا التي قضت سنواتٍ في قبوٍ تحت الأرض لا أرى أحداً ولا أسمع حديثاً لكنني سعيدة آمنة مطمئنة . جدرانه كانت كأمٍّ حنون تحميني .. تضمني .. فيه وعلى أرضه ذكريات جميلة شهدت حزني وفرحي .. نجاحي و فشلي .. أثاثه غُمِرَ بتعبي .. اشتريته دفعة وراء دفعة .. ارتبطت به ارتباط الأم بابنها الوحيد .. أما هنا فأثاث مفروض عليك هو كالمخلع إن أصلحته من جهةٍ تداعت الجهة الأخرى بالشكوى و الأنين .
- شرفة صغيرة رحت أراقب منها وجوه الناس .. المسرعين المندفعين لجمع المال … و بينهم ظهرت وجوه أعرفها رأيتها كثيراً في * حبيبتي حمص * وجوه حملت الذُّل والانكسار .. التّشرّد و الغربة .. وجوه تشتكي من غير كلام وإن تكلّمت .. فدموع و حنين .
- كيف يمكن للإنسان أن يكون غريباً في وطنه ؟!
هي أرضٌ سوريّةٌ .. سهول و جبال ووديان .. نفس الطعام والشراب .. نفس الشمس والهواء.. قمرهم نفس قمرنا ( هلال .. فبدر ..) وشمسهم تشرق على الأخيار و الأشرار مثل شمسنا و ثلجهم المكلِل رؤوس الجبال يذوب فب الأودية و السهول ومنه نشرب وهو نفس ثلجنا * لكننا غرباء .. غرباء *
- حاولت أن أحبَّ بيتي الجديد ..
حاولت أن أجد فيه شبهاً لبيتي الحمصي .. لكنني فشلت ..
نعم فشلت كما يحدث مع مُحب أحبَّ محبوبته عمراً طويلاً .. تقاسما فيه العسر و اليسر , الهناء والشقاء و فجأة فُرِّق بينهما .. و طُلب منها إيجاد حبيب آخر .. الكل يعلم : * ليس البيت أثاثاً .. وفرشاً .. البيت دفء وحب وأمان .. وهنا برد وثلج وصقيع مع أنّ الشمس دافئة * .
- كيف أحبُّ بيتاً لا علاقة لي به .. بيتاً جدرانه باردة كالثلج .. لم تدفئه حرارة الذكريات .. أثاثه غريب عني .. مفروض عليّ كهذه الغربة .. الحب علاقة متبادلة بين اثنين .. أخذ وعطاء.. وبيتي الجديد أخذ مني كثيراً وحين جاءت ساعة العطاء شُلَّت يده .. وعُقِد لسانه …
- من شرفة بيتي الجديد رأيت وجوهاً أعرفها .. استطاع رأس المال الموجود لديها أن يُخفف من وطأة الغربة .. سكنوا في بيوت كانوا قد اشتروها .. أو الآن اشتروها .. وفتحوا محلات ومشاريع بنفس أسماء مشاريعهم الحمصيّة , وضمنوا لكلابهم الصغيرة الجميلة حياةً ومستوى معيشة لا يقل عن مستوى معيشتهم في حمص ( وهذا ما أفرحني رغم حزني الكبير ) ولهذا بدت هذه الكلاب سعيدة فرحة … لكن يا ترى في داخلها ألم تؤثر عليها الغربة ؟ ألم تفقد صديقاً لها أصابته رصاصة حاقدة طائشة .. أم أنها تتأوه وتتألم وأنا لا أشعر بها لأنني لا أفهم لغة الكلاب .. ولم أحاول في حياتي التقرب من احدها …
لكن مهما يكن … ( الرفق بالحيوان جميل ومطلوب )
- عجيبة وغريبة هي هذه الحياة .. و الأغرب منها هم هؤلاء البشر …
- الحياة أم .. و الأم وطن .. والوطن أبناء .. والأبناء هم هؤلاء البشر ( الغريبو الأطوار )
- الأم واحدة .. و الأبناء على حبها اختلفوا .. ولكثرة حبهم لها تقاتلوا وقاتلوا و قُتلوا …كلٌّ يحاول إرضاءها وكسب ودّها وحبّها .. سالت الدماء.. شُرِّد الأطفال و استُبيح دمهم .. قُتِل الرجال و الشيوخ و النساء .. والغريب أن الأخ قتل أخاه ليأكد حبه لأمه .. مع أنَّ الأم واحدة ضمتهم جميعاً في قلبها قبل رحِمها .. ولم تحملهم في أحشائها تسعة أشهرٍ فقط بل حملتهم العمر كلّه ولا تزال .. رغم أنهم أغرقوها بدماء أشقائهم ( أولادها ) وفتحوا في قلبها جراحاً لن تندمل ولن تشفى .. وراحت تمّ يدها هنا و هناك لتجمع بين أولادها .. لكن أنّى لها هذا وقد صار الأخ عدواً لدوداً لأخيه يترقّب الفرصة السانحة ليثأر منه أو يردّ له الصّاع صاعين أو أكثر .
- لكنّ الّذي أثار فضولي وتساؤلي و حيرتي ( مجموعة من الناس ) وكأنّ الأمر لا يعنيهم أو كأنّ هذه الأم ليست أمهم .. أو أنّ هذه الدماء التي سالت ليست من فصيلة دمهم .
- هؤلاء لم تؤثر كل الأحداث على حياتهم ولهوهم و عبثهم و ( كلابهم ) فاستطاعوا أن يروا جمال الطبيعة و سحرها هنا .. وسمحوا للهواء العليل بمداعبة أحلامهم و مشاعرهم وكأنهم يؤكدون نظرية استمرار الحياة .. وحبهم لها رغم كل الظروف و الأحداث .. ولست أنا بأفضل منهم لأنني من فريقهم ( مكتوفة اليدين ) , لكنّ مرارة الغربة قيّدتني ولم تسمح لي برؤية الطبيعة و جمالها .. فأنا في سجن كبير مفتوح الباب ……
- هؤلاء كانوا يتساءلون دائماً : ماذا نستطيع أن نفعل ؟ هل ندفن أنفسنا ونحن أحياء ؟ هل نجلي بانتظار الموت حتى يأتينا ؟ يكفينا أنّ بيوتنا و مشاريعنا قد دُمِّرت .. و أنّ أحلامنا قد سُرقت ..
- إلى ان جاءت الكارثة الكبيرة و المجزرة الحاقدة التي حصدت أرواح مجموعة من الشباب .. باقة من أزهار المستقبل .. و خيم شبح الحزن و الخوف على هذه المنطقة ( الوادعة الآمنة المطمئنة ) وراحت مواكب تشييع الشهداء تتوالى ساعةً فساعة .. و أصوات الرصاص تشقّ صدر السماء معلنةً غضبها على ما حدث .. متحديةً الموت الذي لا يقهر .. ونظرات الشباب الحزينة الغاضبة تؤكد أنها ستأخذ بالثأر …
- الثأر الذي مرّت عليه عصور وقد ظننا أننا تخلصنا منه .. وتغلبنا على الحقد القديم , عاد واستيقظ من جديد نشيطاً متوثباً منادياً ( بدم كُليب ) والشئ المحزن أننا نحن من أيقظناه بغبائنا وحقدنا ومصالحنا الشخصية والأغرب من هذا أو ( المُضحك المُبكي ) و أثناء مرور مواكب التشييع .. كانت تمرّ سيارات عرس مزينة خجولة .. وقد كبتت فرحها وصت مزمارها مؤكدة :
* أنّ الحياة دمعة و ابتسامة * كما قال جبران .
- ما أغرب هذه الحياة ! ما أقساها وما أكثر حنانها ! كم هي بخيلة علينا بأحبابنا وكم هي كريمة بأخذهم !.. كم ترسم لشبابنا من آمال و أحلام و بثانية واحدة تهدمها … بل تخطف فلذات أكبادنا منّا .. ترى هل تريد الحياة أن تشرح للامهات الثكالى كم أنّ ( سوريا الأم ) حزينة مفجوعة .. متألّمة لفقد أبناءها و حزنُهن هذا جزء بسيط صغير من حزنها الكبير العميق اللّامتناهي …
لست أدري !
- خرجنا مذهولين .. لا نعلم إلى أين ؟ خرجنا ونحن نحلم بالعودة .. خرجنا مقهورين لا نحمل شيئاً { أين أشيائي الصغيرة ؟ تركتها لأنني لم أفكر أبداً أنني ذاهبة بلا عودة , لم أحاول حملها .. كنت مثلا مستغرقٍ في النوم أيقظوه فجأة قائلين : ( السيارة بانتظارك ) لم أدرِ كيف خرجت ؟ ولماذا ؟ تُرى لو رفضت هل سيكون الأفضل ؟.. الكل طلبوا مني الخروج .. ماذا يبقيك ؟ من سيحميك ؟ ( ليتهم علموا : أنّ بيتي أكبر حامٍ لي .. ) .
- خرجنا حزانى على بيتٍ ووطنً وأهل وجيران و أصدقاء لا نعلم إن كنا سنلتقي .. وذكريات تركناها تلفظ أنفاسها الأخيرة ..
- خرجنا لنصل إلى النجاة و الأمان .. إلى الهدوء و السكينة .. لم نعلم أننا سرنا بأقدامنا إلى الموت البطيء و العذاب الأبدي .. لا تسألني لماذا ؟ فمن لم يذُق طعم الغربة لا يستطيع الجواب ( أن تكون غريباً في كل شيء وعن كل شيء ) بلد لا تعرفه .. شوارع غريبة ووجوه أغرب .. بيت مجهول فهذا هو العذاب الأبدي .. العذاب الداخلي .. العذاب المجهول ..
- خرجنا وتركنا أحلاماً كانت اكبر منّا.. وأجمل من خضرة الأشجار هنا .. و أصفى من السماء .. خرجنا لكن قلوبنا و أحاسيسنا بقيت هناك .. في كل زاوية وعلى كل منحنى .. خرجنا مرتدين ثيابنا لكننا عراة من الداخل .. لم نحمل ( ماضينا .. ذكرياتنا .. آمالنا .. مشاريعنا ..) الشيء الوحيد الغير مجدي الذي حملناه :
( هو المفتاح !… )
- أحياناً أو كثيراً ما يُخيَّل إليَّ أنّ ما حدث لنا حلم مزعج مخيف ..
- كيف يمكن لإنسان أن يخرج من بيته ثم لا يستطيع الرجوع إليه ؟!….
- كيف يمكن أن يترك الإنسان كل ما جناه خلال عمره الطويل الشقي ولا يتمكن من حمل أي شيء منه ؟
( هذا يحدث عند الموت .. أم ترانا أحياء أموات .. أم أموات أحياء ؟!…. )
- عند الموت يترك الإنسان كل شيء جناه و خبأه و خاف عليه و يسير آمناً مطمئناً لملاقاة وجه ربّه .. أيمكن أن نكون قد متنا دون أن نشعر ؟ وهل نحن الآن في الجنة ؟ أم في النار ؟ أم أننا فقدنا الشعور و الإحساس و اختلطت علينا الأمور .. وتداخلت علينا الأحداث حتى بتنا نتساءل وبخجل : ( هل نحن أحياء أم أموات ؟ ) وسؤال آخر يفرض نفسه عليّ ليل نهار :
* من يحمل مفتاح بيته معه من أي فريق يكون ؟ *
- شيء غريب عجيب حصل لي ومعي في هذه الغربة القاسية .. حين كنت في ( حمص ) الهادئة الوادعة المطمئنة الآمنة كانت فكرة الموت لا تفارق مخيلتي وكان الموت صديقي ورفيقي .. يأكل معي .. يقاسمني الهواء و الشراب .. يسبقني إلى فراشي ليكون أفضل مؤنس وخير خليل .. يغتال أحلامي و آمالي .. و بكل قوة كنت أحاول إبعاده لكنني دائماً وعبثاً أحاول ويكون الفشل من نصيبي .
- أما هنا .. لا أدري كيف ولماذا ابتعد صديقي ( الموت ) عني .. وكم من مرة حاولت استحضاره أو التفكير به .. لكنني لم ولن أنجح .. وهذا ما يزيدني ثقةً وتأكيداً : أنني ( ميتة حيّة) أو العكس ……..
( لكن مفتاح بيتي دائماً وأبداً هو السبب )
- كيف يمكن أن يُفتح البيت ويدخله غرباء يعيثون فيه فساداً وتخريباً .. كيف ينامون على سريرنا ؟ ويعبثون بأشيائنا الخاصّة ؟ من أعطاهم هذا الحق ؟ من سمح لهم باغتصاب حرمات البيوت ؟ مع أنّ بلادنا ليست محتلّة …. أيام الاحتلال بقينا في منازلنا و اليوم ما الذي حدث و يحدث ؟ ماذا يمكن أن نسمّيه ؟ وهؤلاء بمَ ندعوهم ؟ وكيف نناديهم ؟ يدخلون ويخرجون .. ينامون ويستيقظون .. كيف ؟ مع أنني أغلقت الباب جيداً …
( والمفتاح معي … نعم معي )
- ما يحدث اليوم معنا ولنا .. ذكّرني بقصة سرقة حقيبتي .. يومها حزنت كثيراً … كيف تُستباح أشيائي الخاصة ؟ أيدٍ غريبة تمزقها .. تبعثرها .. و الحزن الأكبر كان لسرقة هويتي .. لم أكن أعلم أو أتخيل أنني سأتعرض لسرقة أكبر .. واغتصاب أعمى .. وتدنيس لا نهاية له ….
- لا أستطيع أن اتصور أو أتخيّل ما يحدث في منزلي من عبثٍ وتخريب… لو أن زلزالاً.. بركاناً.. طوفاناً.. خيانة من قبل مهندسي البناء … لكان أهون وأسهل…
- كيف يمكن لوجوه غريبة وأيدٍ ظالمة دخول بيتي بدون استئذان … مع أن كلّ الأديان السماوية حرّمت هذا… وأين هم من الدين؟!..
- كيف استطاعت هذه الأيدي أن تفعل ما فعلته داخل البيت من نهب وسلب وتخريب وتدمير… وحرقٍ وتدنيس؟….
في السرقة الأولى خسرت حقيبة يدي وبقي االبيت والمفتاح…
لكن الآن … ذهب البيت ولم يبقَ إلاّ….
(المفتاح)