صور
حبيبتي : لشبابك وصباك ، لذاكرتك على مدار خمسة وخمسين عامأ ، لصورك التي ضاعت و لأيّامك التي تعيشينها الآن بدوني ، لذكرياتك المؤلمة والجميلة ، لوجهك الجميل ، صباح الخير ،أحبّك.
هكذا بدأ أبو رامي الكتابة لزوجته خلف صورة التقطها عند مبنى البلدية في مدينته الكامنة في ألمانيا وبكمية من الشغف قرأت أم رامي هذه البداية حين أرسلها مع صديقه إلى الشام.
أم رامي ” سناء ” التي تنتظر لم الشمل منذ ثلاثة أعوام في دمشق دخلت إلى الغرفة سعيدة جدا بكلمة أحبّك في رسالة زوجها وبالصورة المرافقة وابتسمت بهدوء خفيّ حتى قرأت السطر الثالث : لا يوجد لمّ شمل هذا العام أيضا.
هذا الخبر السيء كان وقعه على أم رامي هذه المرّة أقلّ حدّة عمّا سبق، فسابقا كانت سناء تخشى ألا ترى مجددا العائلة مكتملة رامي وراما و سمر وبالطبع أبو رامي ” حسن ” ، أما اليوم فقد اعتادت على خيبات الأمل واعتادت على الانتظار.
لقد تغيّرت سناء كثيرا منذ سبع أعوام ، بدأت تكبر وتشيب وتجاعيد وجهها لم تكن ظاهرة كما عليه الآن .ترقّق عظمها فجأة وبدأت ركبيتيها تطقطقان حين تمشي أكثر من نصف ساعة صاعدة بين حارات ركن الدين هي تحتاج للكثير من الدعاء والصلاة كي تصل إلى المنزل دون أن تخلعا من مكانهما .
لقد كان لقطع الكهرباء و الماء وقلّة الطعام وغلاء الأسعار وتغيير بيوتها المستمر وقعا كبيرا على شكلها ، كما أثّر غياب زوجها لسنين و حزنها لدمار بيتها الأول على شغفها وطاقتها ، ومع مرور الوقت فقدت رونقها و لم تجد بعد انقطاع السبل حلّا وحيدا إلا أن تلجأ للماضي عن طريق الصور القديمة .
لأم رامي ” سناء ” العديد من الصور العائلية المعتّقة لحسن حظّها أنها أخرجتها من المخيم قبل أن يتم إغلاق الطريق ، تفتحها من حين لآخر و تقرأ ما كتب في الخلف ثمّ تتصفح تغيّر وجهها ووجوه من حولها و تعدّ منهم ومن اختفى بداية بولديها راما و رامي الذين هاجروا بحرا مع أبيهم.
تفتح سناء الألبوم وتبدأ بقراءة الذكريات خلفها :
” أنا وسناء الغالية في طليطلة 1989″ ” نادي الضبّاط مع حسام سنة 1975″ “أول عزيمة غداء في قصر الشوق لبيت عمي 1990” “سناء عملت بهالسنة عشرين كيلو مكدوس 1993″ ” عين الفيجة مع العيلة سنة 2000″ ” أول سيارة 2001″ ” كنت حامل برامي هون 2004″ “أمي الله يرحمها مع الغالي جورج 1983”. تاريخ كامل مع ذكريات حافلة لعائلة أبو رامي تم تدوينها خلف صورقديمة ، في هذه الصور يصنع تاريخ العائلة عاما بعد عام ، تتويج عرسهم ، خدمة العلم ، دعوات العشاء ، الرحلة الوحيدة العائلية ، الحمل والطهور والولادة. في كلّ الصور لا تنظر سناء وزوجها والباقون للعدسة ، إنّما عيونهم تدور في كلّ الجهات وكأنهم على عجلة من أمرهم يقولون لمن يلتقط الصورة : أرجوك التقطها على عجل لنكتب خلفها كم كنا جميلين وكم كنّا سعداء!
كم كنّا سعداء ؟ بالرغم من أنها تعلم بقرارة نفسها أنّ ظروفهم في المخيم آنذاك لم تكن بالمثاليّة وأنها كانت تتمنّى أن تتحسّن أوضاعها يوما بعد يوم لربّما حين تنجب أو حين يكبر الأبناء او في خمسينيّاتها، إلّا أنها تعتبر تلك الفترة بالفترة الذهبية مقارنة بما تراهنه الآن.
قبل أن تغلق سناء ألبوم الصور ، تذهب لصور أبنائها الذين حظيوا أيضا بالذكريات المكتوبة خلف صورهم خلال سنينهم الأولى ، أولى خطواتهم ، بكائهم عند دخول المدرسة مدرستا كوكب و كفرسبت ، آخر يوم في الثانوية.
تغلق الألبوم و تتساءل : لماذا أرسل لي الخبر خلف صورة ؟ لم لم يقلها لي حينما اتصل صباحا؟ .
للحقيقة أن أبو رامي فكّر كثيرا بوقع خبر رفض أوراق لم الشمل على أم رامي ففكّر مليا ثمّ قرر أن يكون رومانسيّا ويكتب لها خارج حدود مواقع التواصل الاجتماعي ، أراد أن يجمّل الحقيقة و يقول لها بطريقة لبقة أكثر تليق بسناء كما تليق بابنته سمر التي تعدّت الثامنة عشر عاما الآن وتحتاج إلى محاميّ خاص كي تستطيع القدوم .
كثيرا ما يتخيّل حسن المستقبل مع سناء وكم ستكون ردّة فعلها قويّة حينما ستذهب لزيارة أمستردام وباريس لأوّل مرّة ويتساءل كم من الصور ستلتقط هناك . لكنّه حين يتعثّر في اللغة الألمانيّة ومشاكل الأوراق والإقامة ، ينطوي على نفسه ويحني ظهره ماشيا في المدينة متسائلا عن السر الذي أتى به إلى هنا ،شعرت به أحيانا أنّه يودّ البكاء لكنّه لا يستطيع خصوصا حينما انتقلت راما إلى مدينة ثانية لتكمل دراستها .
أرسل أبو رامي الصورة لأم رامي في العام السابق ، ولأسباب أجهلها انتقل من مدينتي إلى مدينة أخرى فلا أعلم إذا تمّ لم شمل عائلته أو لا، لكنّني أتمنّى من أم رامي أن تكون قد أحضرت معها ألبوم الصور ، علّني أتذكّر أشكال وجوهنا قبل سبع سنين.