ذاكرة لجوء

بيت دعارة برعاية الأمم المتحدة والحب!

قد تستغربون … أو، أنا الذي أستغربُ وليس باستطاعتي أن أشرحَ لكم أو أفسّرَ مذاقَ هذه الهزيمة التي أشمّها كما أشمُّ رائحةَ اللحمِ (الرخيص) والضحكاتِ وأنا أصعدُ على درجِ البناءِ الذي أخذتُ أعدُّ درجاته بتأتأةِ المراهقِ الذي سوف يرى نهداً حقيقيّاً أو يلمسه عوضاً عن الصورِ الإباحية التي كان يسْتَمْني لرؤيتها، حين يقلّبها في فراش النوم، في المرحاض، في “الحَمّام؛ أو حتى، في خياله. 


* لا تقولوا لي أنكم لم تمرّوا بهذي التجربة!، أو لم يجرّب أحدٌ منكم “العادة السريّة” ؟!


ألم تشعروا الآن بسخونةٍ في نواصيكم والخدود؟ ولربما بعضكم الآن يبتسم كما الثعلب، ويشتمني…

-لن أكترث


حدثَ ذلك منذ أسبوعين تقريباً؛ هنا، في “تركيا” حيثُ (أقيم)… كالملايين، منفيّاً، لاجئاً، أو الأصح ــ رقماً ــ

نحن أرقام العالم، ندوّنُ في سجلاتِ الأمم (المتّحدة)، ورقةً لابتزازِ الشركاءِ القتلة؛ وأيضاً، مصدراً لازديادِ أرقام الملايين من “العملة” ــ يورو ــ دولار ــ وهلم جرا، وصولاً إلى براميل النفطِ والبارود التي يستبدلها الأوصياءُ بمعابرَ للّحى إلى وطني وطرقاتٍ واسعةٍ نحو الغرقِ وبرامجَ لانتقالِ العدالة من كفِّ قاتلٍ إلى كفِّ سفّاحٍ مهذّب. 

* السفالةُ لا تكمن بأن تكونَ عدوّاً لي؛ أنا أحترمكَ عندما تكون عدوّاً واضحاً.


السفالةُ عينها، أن تكون عدوّاً وتصرخ أنكَ (أبي) الذي يخاف أن تمسسّني شوكة !!


-كلّكم سفلة … حتى حبيبتي. 


قبل أن أضعَ قدميْ في مدخلِ المَمرِّ الطويل، رفعتُ عنقيْ بعد أن كانتَ مطأطأةً نحو الأسفل؛ يمينَ جدارِ الدرجِ، فأنا كنتُ أرمقُ ظلي كيفَ يصعدُ متردّداً معي! 


وحتى أنه شدّني من قميصي وقال لي ” فلنعد، هذا ليس مكانك”.


كانت حبيبتي ترسلُ لي الرسائلَ على “الهاتف المحمول”… وأغلبها، نصائحُ طبّية مبطّنةً بالحنقِ والغيرة

والغضب: 
-لا توسّخ جسدكَ. 
-عد يا حبيبي. 
-كلّهن يحملن أمراضاً .. لا توسّخ .. لا .. لا… 

لا أدري … هل كان ظلي متآمراً مع حبيبتي 
أم كان ظلي ليس لي ؟!


أمّ أنّه.. كان يحبّذ الاستمناءَ وكان جباناً رعديداً يخشى من غروب (الحبِّ) وهبوط الأدراج. 

-حبيبتي سافلة. 
.
.
سأقولُ لكم لماذا حبيبتي سافلة…


قبل أن أصلَ إلى “العاهرة” التي لم أخترها، حيث كانت تنتظرُ جسداً ما، مقابل ما تنتظرهُ من القوادِ ثمناً لتمريغِ قلبها بأجسادِ السافلين والمراهقين والعشاقِ المنهزمين؛ لربما أنا … كلباً كنتُ، سكّيراً، هرماً، مهرّباً، أو وزيراً، أو، روائياً… كانت حبيبتي تبرّرُ لنفسها قسوةَ الحياةِ وتضحكُ مع سافلٍ آخرَ … في الوقتِ ذاته، حينها، كي أبرّهنَ لقلبي أنّ الفرقَ بين العاهرة وحبيبتي أمران:


*العاهرة واضحة كالعدو…
*حبيبتي تخاف أن تمسسني شوكة!

 لم تمسسّني تلك “العاهرة”…
ألحَّ ظلي عليّ أن أعودَ إلى الدرجةِ الأولى، إلى الصديق الذي طلبتُ منه أن يرشدني إلى هذا “الماخور”!


-نسيتُ أن أقولَ لكم … كان ذلك بمساعدةِ صديقٍ ينتظرني على بعدِ شارعين داخل سيارته.


كان ينهرني لأنني اتخذّتُ هذا القرار.


وقال لي قبل أن يرشدني إلى مدخلِ البناء:

-احذر، لو لم أعرفكَ منذ سنين، ما جئتُ بكَ إلى هنا… وأرى أنّك تريدُ أمراً ما. 

صديقي لم يكن قواداً … 
صديقي فقط يجيد اللغة التركية، ويمتلك سيارة أجرة؛ ويعرف خرائطَ التيه. (ليس كثيراً).

لقد حذّرني صديقي، من الأمراض والقوادين، وأيضاً حذّرني من عاطفتي.


قبل أن أترجّل عن السيارة، كان بودّي أن أبصقَ في وجههِ دون أن يشعرَ أو يحرّكَ ساكناً، لكنّني خجلتُ من عبارةٍ مكتوبة على مرآة سيارته الجانبيّة: ” الأجسام أقرب مما تبدو في المرآة “.


فلم أبصق عليه.

بعد أن ترجّلتُ عن السيارة، على بُعدِ خطواتٍ… بصقتُ على نفسي.
لقد قال ما قالتهُ حبيبتي السافلة من تلك النصائح!

قلتُ للقوادِ ” أريدُ أن أتبوّلَ، أين المرحاض؟”


انتابتني حالةٌ من الهلعِ وأخذَ قلبي يخفقُ كأنني أركضُ!

كان الوقتُ وجيباً حسَّ بهِ الجدارُ الذي رمقتُ عليه ظلي!، وشعرتُ بسخونةٍ في ناصيتي، واحمرّت وجنتاي كدمِ الحقيقة!


لم يجبني القوادُ … ظلّ ساكتاً، حتى مرّرتُ لهُ كاللصِ ورقةً نقدية من بين الأجسادِ العابرة، وكأنني أوافقُ على بيع “فلسطين” وهو يبتسم!!

أشار إلى البابِ الذي ورائي… 


-كم أنا أحمقُ!

كان البابُ خلفي ولم أره!!… وكانت حبيبتي سافلة. 
وكان صديقي ينتظرني في الأسفل، ولم يعرف أنني بصقتُ على نفسي. 


***

العاهرة ذاتها التي لم أخترها، اختارتني، بعد أن أشارت بسبابتها إليَّ مبتسمةً كالمرحاضِ الذي لم أدخله.
جلستُ وإياها، في غرفةٍ ضيّقة كالحب!  .. وواسعةٍ كما الهزيمة التي تأكلني وأنا أكتبُ هذه الكلمات. 


قالت لي بعد أن أشعلتْ سيجارتها وأسدلت ثدياً واحداً خارجَ المشهد: 

-من أنتَ؟

قلت: 

-الحبُ خذلني.

أضافت:

-لقد تشاجرتُ مع كل الفتيات والنساء لكي أحصل عليكَ، حتى لو لم تدفع.
أجبتها :
ــ دفعتُ كثيراً، ولا أستطيعُ أن أدفعَ أكثرَ من ذلك.
أجابت وهي تغمزني:

-هل دفعتَ للقواد؟

قلتُ:
-دفعتُ قلبي… ألا يكفي !؟

بكتْ كثيراً… وأرجعتْ ثديها!

حاولتْ أن تضمّني، إلا أنني نهضتُ مرتجفاً أبحثُ عن ظلي، متّجهاً نحو باب الغرفة التي أسمعُ خارجها ضحكاتٍ واسعةً لا تشبهُ إلا ضحكاتِ السفلة، الذين تاجروا بنا، بأسمائنا … أرقاماً أو حتى جثثاً على شاشاتهم وقنواتهم الإعلامية. 

دقّ القوادُ باب الغرفة...

كنتُ أضعُ رأسي على خشبِ البابِ ولا أستطيع الحراكَ لأنني أسمعُ نشيجاً خلفي، لا أعلم ما قصّته، ما كنّهه؛ ما .. ما … أيُ إلهٍ هذا هو الله؟!


كأن بها قتيلة مثلي!


-هل حبٌ خانها وأتى بها إلى هذا الماخور ؟!

لا … ليس كذلك؛ حينها، تخيّلتُ أنّ المفتاحَ قد سقطَ على جريدةٍ تحت الباب كي أسحبه بواسطتها

وأهربُ إلى الداخلِ .. كأنّ حضنَ هذه (العاهرة) أقربُ للنجاةِ من الحقيقة التي في الخارج!

ـــ قالت لي “سوف يطردني إن لم أعطه النقود… فهاتها؛ وأنتَ لم ترَ حتى جسدي، لماذا أتيتَ إذن؟” 


أجلستها حيث أخرجت ثديها على الفراشِ، وقلتُ لها وأنا أضعُ عينيّ في وجهها:

-حبيبتي سافلة، تعشقني صباحاً، وفي منتصفِ الليلِ تضاجعُ شخصاً آخرَ بضحكاتها!

وتحبّ غيره صباحاً بغنجها… تعشقني بعد الظهيرة، وتعطي ثدييها للماجنين متى تشاء.

خرجتُ باكياً كالظمأ …!

لم أجد صديقي، ولا الأجسام التي تبدو أقرب مما نراها في المرآة!


أذكر أنها قالت لي:

-لو لم تكن حبيبتكَ سافلة أكثر منّي، لم توصلك إلى هنا.

كانت رغبتي أن ألوّثَ جسمي وروحي، كي أقبضَ على معنى الخيانة!  ولم أكن أدري أنّ كل هذا الطوفان سوف يجرفني إلى تلك الدهشة!

.

.

ثمة طفلٌ في أسفل البناء وأنا أهبطُ الدرجَ وظلي ليس معي!

كان يبيعُ أشياءَ لا يعرفها هو حتى!


سألني أنْ أشتري.

فسألتهُ عن أمّهِ…
قال لي وعيناه تتسعان كالجرح:  

-أمي هنا تعمل.

-أين هنا؟

“عمو ماما فوق بتشتغل”

.

.

إلى الآن… أنا أبكي أيها العالَمُ السافل.

اللوحة للفنانة روناك عزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + ستة =

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى